عندما كنا صغارا، لم نكن نعرف أكثر من ستة أعياد، العيد الكبير وأخوه الصغير وشقيقهما الآخر المولد النبوي، بالإضافة إلى ثلاثي «الاحتفالات» و«الأفراح» و«الأهازيج»: العرش والمسيرة والاستقلال... ما عدا ذلك مجرد مناسبات غامضة لا ينتبه إليها أحد. اليوم، أصبحت أيامنا كلها أعياد والحمد لله. لا يكاد يمر يوم دون أن تسمع عن ذكرى أو مناسبة وطنية أو شعبية، عربية أو أمازيغية، دينية أو دنيوية، غربية أو تغريبية، إلى درجة أن السنة صارت لها ثلاثة رؤوس، هجري وميلادي وأمازيغي، وأصبحت المسكينة تولد وتموت عدة مرات، «والبركة في رؤوسكم»، في انتظار رأس صيني وهندي وإفريقي، كي يصير العام المغربي غولا حقيقيا!
الأعياد صارت أكثر من الأيام. أحياناً نخلد عدة مناسبات في النهار الواحد، وكل عيد يلد أعيادا صغيرة، سرعان ما تكبر وتقتحم البيوت والشوارع وشاشات التلفزيون، وتصبح أيام عطلة رسمية، «جور فيريي» لمن يفضلها بالعربية، من عيد الحب إلى «هالوين» مرورا بعيد الموسيقى والطفل والمرأة والأم والأشجار والنباتات والفواكه والطيور ومختلف الأمراض المعدية والقاتلة. حتى الشعر في المغرب عنده عيد وطني، ربما لأن الشعراء انقرضوا ويجدر أن نتذكرهم مرة في العام، لكن الزجالين لا يفهمون كيف يمكن أن يكون للشعر الفصيح يوم وطني tوالشعر المكتوب بالدارجة بلا عيد، لذلك رفعوا ملتمسا إلى وزير الثقافة الجديد كي يمنح للزجل يوما وطنيا، في انتظار عيد للشعر الأمازيغي طبعا، وعيد للرواية والقصة والأقصوصة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، وعيد للمحفوظات والتلاوة، دامت لكم الأفراح والمسرات. ومن بين الأعياد التي جرى «تفقيسها» في الآونة الأخيرة «عيد البيض»، أجل عيد البيض الذي «يُقلى» و«يُسلق» وتخرج منه الدجاجة دون أن نعرف أيهما الأسبق. ولا شك أنكم سمعتم عن الحدث الذي طبع الاحتفال بالمناسبة السعيدة هذه السنة: أكبر «أومليط» في إفريقيا. جمعية «منتجي بيض الاستهلاك» في المغرب، «بيض الله سعدها»، أصرت على تقديم صدقة «جارية» في ساحة جامع لفنا، ولا يسعنا إلا أن نتساءل عن سر إصرار بعض الجمعيات على تنظيم مثل هاته التظاهرات السخيفة لجلب الانتباه إلى منتوجاتها، خصوصا أن الشعار وحده ينطوي على وقاحة بلا حدود: أكبر «أومليط» في إفريقيا... كمن يستعرض عضلاته على معوّق. إفريقيا تعاني من المجاعة، وأصحابنا فقسوا واحدا وعشرين ألف بيضة في خمسة وثمانين لترا من الزيت، على سبيل التسلية، نكاية في أطفال الصومال والسودان وإثيوبيا. الهدف يظل مشروعا، ألا وهو لفت الانتباه إلى البيض، وتشجيع تسويقه، وتحسين ظروف عمل المنتجين، وتحقيق تواصل بين المنتج والمستهلك وشوميشة، التي كانت ممن أشرفوا على «الأومليط الإفريقي»، لكن ألم يكن حريا بهم أن يصنعوا «أكبر أومليط في العالم»، بدل التبجح على إخواننا الأفارقة؟ كما كان بإمكانهم استعمال البيض في أغراض إنسانية أكثر نبلا، مع ضمان لفت الانتباه إلى جمعيتهم، ولا نطلب منهم أن يرسلوا البيض إلى السودان أو الصومال، لكن واحدا وعشرين ألف بيضة وخمسة وثمانين ألف لتر من الزيت كان يمكن أن تصنع سعادة سكان «أنفكو» في الأطلس الذين يتحالف عليهم البرد والجوع هذه الأيام، ويقتاتون على الخبز والشاي و«الشحمة» اليابسة». لو أرسل إليهم بيض جامع لفنا لوفر لأطفالهم قليلا من البروتينات، والشحنات الحرارية لمقاومة البرد القاتل. لسنا شعبويين ولا ضد استيراد أفكار الآخرين، شريطة أن نصنع ذلك بذكاء. كان يمكن -مثلا- استعمال واحد وعشرين ألف بيضة لرجم السياسيين الانتهازيين الذين استأمنـّاهم على شؤون البلاد ولم يفعلوا أي شيء، ماعدا مساعدة أقربائهم وتسمين ثرواتهم. نضع لائحة ونطاردهم بالبيض كي نلفت انتباه المغاربة، وفي هذه الحالة كانت الجمعية ستوفر البيض الطازج، لأن البيض الفاسد يفي بالغرض، مع شعار أكثر طرافة: أنتم استعملتم «البيغ الخاسر» في تلميع سياساتكم ونحن نستعمل «البيض الخاسر» للاحتجاج عليها... والعملية لا تتطلب واحدا وعشرين ألف بيضة، بيضتان تفيان بالغرض!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire