Pages

Blogroll

Blogger news

lundi 27 février 2012

مهرجان موازين في القدس العربي

هل قال ابن كيران 'لن تغني نانسي عجرم وماريا كاري إلا على جثتي'؟


في خطوة أشبه ما تكون بـ'الضربة الاستباقية'، أعلنت إدارة مهرجان 'موازين' الغنائي الدولي عن بعض نجوم الدورة المقبلة من هذا المهرجان الذي يقام عادة خلال النصف الثاني من أيار (مايو)، ومن بين تلك النجوم واحدة من الشرق وأخرى من الغرب، وبينهما قواسم مشتركة لا تخطئها عيون الفضوليين.

أما النجمة الشرقية فهي تلك التي قال عنها وزير الثقافة والمحافظة على التراث التونسي المهدي مبروك: 'لن تشارك في مهرجان قرطاج إلا على جثتي'. وأما التي ستأتي من الغرب فهي تلك التي فضحت وثائق 'ويكيليكس' علاقتها مع عائلة القذافي، وخاصة مع ابنه سيف الإسلام الذي كان قد دفع مليون دولار لسماع أربع أغنياتها.
في 'موازين'، ستتقاضى نانسي عجرم 90 ألف دولار أمريكي، بينما ستضع ماريا كاري في حقيبتها 830 ألف دولار، والنجمتان معا ستحملان معهما النقود 'كاش'، قبل أن تستقلا الطائرة، كل واحدة منهما لوجهتها المفضلة، دون أن تدفع أي منهما ولو درهما واحدا كضريبة في ميزانية المغرب!
وصفنا هذه الخطوة بـ'الضربة الاستباقية'، لأن إدارة المهرجان تريد أن تضع حكومة الإسلاميين المغاربة (المُطعَّمة ببعض المحافظين والشيوعيين القُدامى) أمام الأمر الواقع؛ خاصة وأن هذه الحكومة ما زالت في بداية عهدها.
كان الله في عون عبد الإله ابن كيران وإخوانه وزراء العدالة والتنمية، إنهم يواجهون أول اختبار لجس النبض؛ كأن الجميع يقول لهم: لسنوات عديدة وأنتم تصرخون في البرلمان وفي مهرجاناتكم الخطابية وفي صحفكم، معلنين ـ من موقع المعارضة ـ رفضكم لنوعية المطربين الذين يستضيفهم 'موازين' (خاصة من الغرب والشرق)، فماذا أنتم فاعلون اليوم وقد آلت إليكم مقاليد الحكومة، بفعل تأثير الربيع العربي المبارك، وهو نفسه بفعل المشيئة الربانية؟
الأرجح أنهم يعيشون إحراجا كبيرا، لاسيما وأن هذا المهرجان يقف وراءه أحد المقربين من الدوائر العليا. ولكن، ماذا يضير حكومة ابن كيران أن تقول (باراكا) (أي كفى) لهذا الإصرار على تكريس سياسة الأمر الواقع من خلال 'موازين'؟ خصوصا وأن هذه الحكومة لن تجد نفسها وحيدة في إشهار ورقة 'باراكا' إزاء تظاهرة تستنزف من الأموال الشيء الكثير خلال بضعة أيام، دون فائدة تُذكر؛ والدليل على ذلك أن الاحتجاجات التي رافقت دورة العام الماضي شهدت مشاركة فئات عديدة من المواطنين، ولم تثنهم هراوات 'المخزن' عن رفع أصواتهم أمام بعض المنصات المنصوبة في الأماكن العمومية.
يقول المدافعون عن 'موازين' إن تمويله يتأتى من مؤسسات خاصة، وليس من المال العمومي. ولكن المتأمل في الجهات الداعمة للمهرجان، يلاحظ وجود إدارات عمومية متعددة ومؤسسات اقتصادية كبرى تابعة للدولة، وليس فقط مؤسسات خاصة. وحتى إذا افترضنا وجود هذه المؤسسات الخاصة لوحدها (وهو غير صحيح)، فلماذا تفيض بكرمها الحاتمي على 'موازين'، وتضنّ على مهرجانات أخرى تقام في العديد من بقاع البلاد؟ لماذا لا تكون مؤسسات 'مُواطِنة' قولا وفعلا، فتدعم مهرجانات أخرى تحتفي بالفن والتراث المغربيين؟
وإذا كان تمويل مهرجان 'موازين' من مؤسسات خاصة، فالمفروض ألا يحظى بدعاية مجانية مكثفة عبر القنوات التلفزيونية والإذاعات العمومية على امتداد عدة شهور.
لنتصور الحكومة التي جاءت نتيجة صناديق الاقتراع، تعترض على عدم تخصيص أي حيز دعائي للمهرجان المذكور في القنوات التلفزيونية المغربية (وهي كلها قنوات عمومية لحد اليوم)، فأكيد أن هذه التظاهرة ستبدو في حجمها الحقيقي. أي أن الهالة التي تحيط بهذا المهرجان راجعة بنسبة كبيرة إلى الدعاية الإعلامية التي تخصص لها في قنوات وإذاعات القطب العمومي.
المعترضون على 'موازين' ـ وعبد ربه واحد منهم ـ لا يعترضون على المهرجان في حد ذاته، وإنما يعترضون على أمرين اثنين:
ـ أولا، على هذا الدلع والدلال الذي يُحاط به من كل حدب وصوب (مع أنه من تنظيم جمعية يُفترض التعامل معها كباقي الجمعيات وفق منطق تكافؤ الفرص، ومع أن تمويله كما يُشاع خاصٌّ مائة بالمائة)، حتى أن العديد من المسؤولين يعيشون حالة استنفار خلال الاستعداد لتنظيمه وكذا أثناء حفلاته التي تقام في الفضاءات العمومية، والتي تتزامن كل عام مع استعداد طلبة المؤسسات التعليمية لامتحانات نهاية الموسم الدراسي.
ـ وثانيا، لكونه يروّج لنوع من الثقافة والفن، قائم غالباً على الإسفاف والابتذال وتمييع الذوق العام والقيم الأصيلة للمغاربة؛ ولم نستغرب، والحالة هذه، استدعاء فرقة فنية اسبانية تعرّى أفرادها أمام جمهور منصة 'الأوداية' في إحدى الدورات، كما لم نستغرب استدعاء (فنان) غربي يفتخر بشذوذه. إن البرمجة الأساسية للمهرجان ترتكز على نجوم الإثارة، أما بعض الأسماء الفنية المحترمة القادمة من الشرق أو الغرب وحتى بعض الأسماء المغربية، فالظاهر أن المنظمين يُبرمجونها بهدف ذر الرماد في العيون ليس إلا.
من حق حكومة ابن كيران، التي وضع فيها الشعب المغربي ثقته، بل ومن واجبها أيضا، أن تكون منسجمة مع اختياراتها من جهة، ومع متطلبات هذا الشعب من جهة ثانية. لقد صوّت غالبية المغاربة على حزب العدالة والتنمية، لأنهم رأوا فيه مدافعا عن هويتهم وقيمهم ومرجعياتهم الأصيلة. والمفروض في مهرجان مثل 'موازين' أن يستحضر هذا المعطى؛ أي أن يكون متمثلا، في برنامجه العام، للهوية المغربية في أبعادها العربية والأمازيغية والصحراوية والمغاربية.
أما إذا كان منظمو مهرجان 'موازين' مصرّين على عدم التنازل عن اختياراتهم الثقافية والفنية الخاصة، وبما أنهم يتوفرون على الأموال ما يكفي لاستدعاء من يشاؤون من النجوم، فلماذا لا يقيمون حفلاتهم في فضاءات خاصة، وإذ ذاك ليضعوا الثمن الذي يريدونه لتذاكر السهرات؟ فالمتفرج سيكون هو الذي سيختار نوع الفن الذي يريده ويبذل من أجله الغالي والنفيس؛ عوض أن يُفرَض ذلك الفن على الناس في الساحات العمومية الموجودة وسط الأحياء، حيث لا خيار للسكان سوى رفع أكفهم وقراءة اللطيف، جرّاء ضجيج السهرات التي تُفسد عليهم راحتهم ونومهم واستعداد أبنائهم للامتحانات!

أقسى درجات العزلة!

بعيداً عن 'موازين' وصخبه، وبعيداً عن نجومه وملاييره، ثمة مغرب آخر أطلق عليه المستعمر الفرنسي لقب 'المغرب غير النافع'. في أعالي جبال الأطلس الكبير، هناك بشر مثلنا، مواطنون مثلنا، يقال إنهم هم أيضا مغاربة... لا تهمهم لا نانسي عجرم ولا ماريا كاري ولا إلتون جون ولا إليسا، (الهمْ اللّي فيهم يكفيهم) كما يقول التعبير الدارج... يعيشون، في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، بل منذ عدة أسابيع، أقسى درجات العزلة. شيء من قساوة الطبيعة نعم؛ ولكن أيضا شيء من قساوة الحكومات المتعاقبة منذ فجر الاستقلال.
هذه الأيام، يصور التلفزيون بعضا من معاناتهم، برد وثلج وحصار وأمراض مختلفة، ونساء حبلى يعانين الأمرين وقد يَمُتْنَ قبل الوضع. صحيح أن هناك مساعدات عاجلة تُرسل إليهم عبر الطائرات المروحية غالباً: أغطية وتغذية وأدوية وهلم جرا؛ ولكن هذا لا يكفي، إنهم يريدون تطبيق المثل الصيني: 'لا تُعطه سمكة، وإنما علّمْه كيف يصطاد السمك!'. يريدون أساساً: طُرقاً تفك عنهم العزلة، ومراكز صحية قريبة منهم، ومدارس لأبنائهم، يريدون وسائل وأدوات تساعدهم على ممارسة مهنهم وعيش حياتهم البسيطة... يريدون أن يُنظَر إليهم باعتبارهم بشراً ومواطنين لهم كرامة وحقوق وينتمون إلى مغرب واحد لا إلى مغرب آخر، أطلق عليه الفرنسيون اسم المغرب غير النافع وخجلوا ربما من تسميته (no mans land) أي الأرض الخلاء... أما الطبيعة القاسية فهم قادرون على التأقلم معها.
كاتب من المغرب   
الطاهر الطويل
tahartouil@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

journaux du Maroc

 
JavaScript Free Code JavaScript Free Code