مائة عام بعد ذلك
وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين»«: قبل مائة عام بالضبط، باع سلطان اسمه مولاي حفيظ المغرب للفرنسيين مقابل شيك سمين، بالجنيه الإسترليني، وضعه في قبّ جلابته وغادر إلى طنجة كأي مقامر ربح في «اللوطو». في الثلاثين من مارس المقبل، يكون قد مرّ قرن كامل، يوما بيوم، على توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب، التي أدت إلى
انقراض ما كان يعرف بـ«الإيالة الشريفة»، ونقل العاصمة من فاس إلى الرباط، وولادة المغرب في نسخته المعاصرة، بتنوعه وثرائه، بتشوهاته وعاهاته المستديمة. في البلدان التي تحترم تاريخها، لا يمكن أن تمر مناسبة من هذا العيار مرور الكرام، لكن يبدو أننا لا نحب تأمل وجوهنا في المرآة، لذلك يتم التعامل معها كأنها «لا حدث»، كأن البلاد مصابة بالألزايمر أو بمرض نفسي يمنعها من مواجهة الحقيقة... على بعد شهرين، لم نسمع عن أي موعد فكري أو ثقافي، سواء من الجهات الرسمية أو من هيئات المجتمع المدني، رغم أن هناك أسئلة جوهرية مازالت تفتش عن أجوبة. طبعا، ليس هناك مغربي حر يمكن أن يدعو إلى «الاحتفال» بدخول الاستعمار، لكن واجب الذاكرة يدعونا إلى أن نتساءل: كيف وما السبب ولماذا؟ كيف كان المغرب سيكون لو لم يفقد سيادته؟ ماذا ربحنا وماذا خسرنا بعد مائة عام؟ وهل غادر الاستعمار حقا؟ كي نعرف إلى أين نسير، لا بد أن نعرف من أين جئنا، وإلى أين كنا ذاهبين، قبل أن تصادفنا حادثة في الطريق وتغير مسارنا إلى الأبد. حتى رموزنا السيادية تحتاج إلى مساءلة: هل من الطبيعي أن نظل محتفظين برموز فرضها علينا الاستعمار؟ قليل من المغاربة يعرفون -مثلا- أن «النشيد الوطني» ليس «وطنيا» في الأصل ولا هم يحزنون، بل مجرد معزوفة استعمارية، ألفها قبطان فرنسي اسمه ليو مورغان، بعد توقيع معاهدة الحماية، لتعزف في المناسبات الرسمية والعسكرية، ولم توضع الكلمات لما كان يعرف بـ«النشيد الشريفي» إلا عام 1970، بطلب من الحسن الثاني، كي يجد فرس وزملاؤه في المنتخب الوطني كلاما يرددونه أثناء عزف «النشيد الوطني» في نهائيات كأس العالم بالمكسيك. وقليلون يعرفون أن نجمة سداسية كانت تتوسط الراية المغربية، لكن ليوطي حذف منها ضلعا، بموجب ظهير وقعه مولاي يوسف عام 1917، لأن الماريشال الفرنسي كان معاديا للسامية، على الأرجح، في سياق الموجة التي كانت سائدة في أوربا مستهل القرن العشرين، وهي ضربة استعمارية للمكون العبري في الهوية المغربية وللتسامح الذي ميز العلاقات بين المغاربة بمختلف أديانهم وأصولهم. ثمة أشياء أخرى كثيرة تستحق أن نتأملها بالمناسبة، منها «اللسان المعقود» الذي تركه لنا الفرنسيون، لا هو عربي ولا فرنسي ولا أمازيغي... «مأزق لغوي» وضعنا فيه الاستعمار وانصرف، ولا زلنا لا نعرف كيف نخرج منه. أن تمر المناسبة في صمت معناه أن ثمة مشكلة. حتى التلفزيون، الذي نموله من جيوبنا، يبدو مصرا على إخلاف موعده مع المغاربة والاعتصام في «دار غفلون»، التلفزيون ذاته الذي كان يبث مسلسلات مدبلجة وأغاني من الدرجة الثالثة في الوقت الذي كانت فيه قنوات العالم تغطي حدث تعيين أول رئيس حكومة في ظل الدستور الجديد. ومن الصدف التي تستحق أن نتوقف عندها أيضا، تزامن الذكرى المائة لتوقيع الحماية مع تنصيب حكومة تضع الهوية على رأس أولوياتها، وتسعى إلى إعادة الدين إلى قلب الشأن العام ورد الاعتبار إلى المكونات التقليدية للشخصية المغربية، كما كان عليه الحال قبل الحماية، كأننا أغلقنا قوسا من مائة عام. الهوية المغربية كانت في قلب المعادلة الاستعمارية، وليوطي، الذي كان يحلم بعودة التاج إلى فرنسا، وجد ضالته في المغرب ونفض غبار القرون عن المملكة الشريفة. ليوطي هو الذي حظر على غير المسلمين دخول المساجد، رغم أن الإسلام لا يمنع ذلك، وليوطي هو الذي أبدع شعار «الأصالة والمعاصرة»، قبل أن يجعل منه الحسن الثاني أحد شعارات حكمه، ويتحول إلى مشروع سياسي «مشبوه»، سلمت له «شهادة الوفاة» في العشرين من فبراير 2011.
- البلاد التي ... جمال بدومة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire