Pages

Blogroll

Blogger news

lundi 6 février 2012

ستمائة درهم في الشهر


«دم الشهداء لم يرح هباء»!

عندما فرّ زين العابدين بنعلي إلى السعودية، أصر معمر القدافي على أن يوجه رسالة إلى الشعب التونسي، يسخر فيها من «الحماقة» التي أقدموا عليها عندما طردوا رئيسهم، وسألهم بتلك الوقاحة المضحكة، التي افتقدناها بعد رحيله: «هل ذهاب زين العابدين بنعلي سيعيد إليكم أبناءكم؟ غدا سيحكمكم رئيس أسوأ منه، لكن أبناءكم الذين ماتوا لن يعودوا أبدا!». بضعة أيام بعد ذلك، ثار الليبيون على الدكتاتور، وانتهى الفيلم كما تعرفون.
ومن مكر التاريخ أن العقيد الذي استهزأ بتضحيات الشعب التونسي، سحله الليبيون حتى الموت، وحملوه في «بيكوب» وهم يهتفون: «دم الشهداء لم يرح هباء»... لم أجد فرقا بين كلام القدافي ساخرا من تضحيات الشعب التونسي، وبين ما سمعناه على أفواه «قبيلة القدادفة»، تعليقا على مأساة الشاب عبد الوهاب زيدون، الذي توفي متأثرا بالحروق التي أصيب بها، خلال احتجاجات العاطلين أمام وزارة التربية الوطنية. الناس وصلوا درجة لا حد لها من «السينيزم»، قبل أن تجف دموع الزوجة وحسرة الرفاق، سمعنا من يردد بلا حياء: «حتى هوما زادو فيه»، «يستاهل»، «بغا يدير بحال البوعزيزي زعما»، «غبي»... بل إن البعض لم يكفه جحيم العطالة التي عاشها الفقيد على الأرض، ولا النيران التي أكلت جسده الفاني، وصار يردد أنه «غادي يمشي لجهنم حيت انتحر»، ناسيا أن مصير العباد بيد خالقهم، وأن زيدون احترق وهو يحاول إنقاذ زميله، وليس أنبل من أن تضحي بحياتك من أجل شخص آخر، لكن الناس في هذه البلاد صاروا يوزعون «تذاكر» الجنة والنار، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لا أحد يزكي الطريقة التي صار يحتج بها العاطلون، ولا أحد يتفق على أن الدولة ملزمة بتشغيلهم جميعا في الوظيفة العمومية، لكن الحقيقة ليست بالأسود والأبيض، بل هي مثل ما يتبقى بعد الحريق: رمادية. عندما يموت شاب في مقتبل العمر، بتلك الطريقة المفجعة لأنه يريد شغلا، أيا كانت الظروف والتبريرات، فإن «هناك شيئا ليس على ما يرام في مملكة الدنمارك»، كما كان يردد هاملت في مأساة قديمة، هناك شيء لم يعد يقبل الانتظار، ولا بد من التحرك بسرعة. من يضرم النار في جسده، يمكن أن يشعلها في مكان آخر، خصوصا أن العالم كله أصبح قابلا للاحتراق هذه الأيام، والغبي الحقيقي من لا يستطيع التقاط الرسالة. هناك إجراء بسيط، يؤكد خبراء الاقتصاد أنه ممكن، يقضي بتخصيص ستمائة درهم شهريا لمن لا شغل لهم، تعويض بسيط يمكن أن يحيي الأمل في نفوس العاطلين، الذين قتلهم اليأس، في انتظار حلول على المدى البعيد، مادام حل مشكلة البطالة يحتاج إلى سنوات طويلة. وقد راج الحديث عن تعويضات للعاطلين، في إطار التدابير المستعجلة لاحتواء تظاهرات العشرين من فبراير، لكننا لم نر شيئا في النهاية. المغاربة الفقراء يحتاجون إلى إجراءات رمزية مثل هاته، من حكومة بنكيران، كي يشعروا بأن التغيير ممكن حقا. كل المغاربة -بمن فيهم العاطلون الذين يحرقون أنفسهم- مقتنعون بأن البلاد تعيش لحظة سياسية فريدة، مع وزراء من الشعب، لا أحد يشكك في نزاهتهم، بل إن البعض يؤاخذهم على تقشفهم وعزوفهم عن الأبهة، التي ظل يعشقها أسلافهم، ويفتش عن ذرائع كي ينتقد اختلاطهم بـ«الخوشبيش» وسط المسجد أو في مقصورة القطار، وهؤلاء، في العمق، يخشون على مصالحهم. السياسة تطوع، من يمارسها يفعل ذلك خدمة للصالح العام، وليس كي يكمل «الفيلا» ويعلي العمارة ويرسل الأبناء للدراسة في كندا... لو نجح بنكيران في تكريس هذه السلوكات، سيكون قد عبد الطريق للقضاء على الفساد والريع السياسي. في انتظار ذلك، يعلق المغاربة آمالا كبيرة على هؤلاء المسؤولين الذين يشبهونهم، لكن لعن الله اليأس، البعض لا يستطيع الانتظار طويلا، لذلك ينبغي على بنكيران أن يفكر في رسالة قوية تجاهم. ستمائة درهم في الشهر، يمكن أن تكون إجراء وقائيا كي «نتجنب أسباب الحريق».
جمال بدومة 
الصفحة الرئيسية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

journaux du Maroc

 
JavaScript Free Code JavaScript Free Code